بعد مراحل اختيار الموضوع, جمع الوثائق والمصادر والمراجع, القراءة
والتفكير والتأمل في تقسيم البحث ومرحلة جمع وتخزين المعلومات, تأتي المرحلة
الأخيرة والنهائية وهي مرحلة صياغة وكتابة البحث في صورته النهائية.
وتتجسد عملية كتابة البحث العلمي في صياغة وتحرير نتائج الدراسة, وذلك وفقا
لقواعد وأساليب منهجية علمية ومنطقية دقيقة, وإخراجه وإعلامه بصورة واضحة وجيدة
للقارئ, بهدف إقناعه بمضمون البحث العلمي المعد.
فعميلة الكتابة تتضمن أهدافا معينة ومحددة, وتتكون من مجموعة من المقدمات
والدعائم يجب على الباحث احترامها والالتزام بها أثناء مرحلة الكتابة, ولبيان ذلك
يجب التطرق إلى نقطتين أساسيتين هما:
1 ـ أهداف كتابة البحث العلمي:
أ ـ إعلان وإعلام نتائج البحث: إن الهدف الأساس والجوهري من عملية الكتابة
هو إعلام القارئ بطريقة علمية منهجية ودقيقة عن مجهودات وكيفيات إعداد البحث
وإنجازه, وإعلان النتائج العلمية التي توصل إليها الباحث.
فكتابة البحث العلمي لا تستهدف التشويق أو المتعة الأدبية أو الجمالية
والأخلاقية كما تفعل الروايات والقصص والمسرحيات مثلا, بل تستهدف تحقيق عملية
إعلام القارئ بمجهدات البحث وإعلان النتائج.
ب ـ عرض وإعلان أفكار الباحث وآرائه: مدعمة بالأسانيد والحجج المنطقية,
وذلك بصورة منهجية ودقيقة وواضحة, لإبراز شخصية الباحث وإبداعه العلمي الجديد في
الموضوع محل الدراسة.
ج ـ اكتشاف النظريات والقوانين العلمية: وذلك عن طريق الملاحظة العلمية
ووضع الفرضيات العلمية المختلفة, ودراستها وتحليلها وتقييمها, بهدف استخراج نظريات
جديدة, أو قوانين علمية حول موضوع الدراسة وإعلانها.
2 ـ مقومات كتابة البحث العلمي:
من أهم مقومات كتابة البحث العلمي:
أ ـ تحديد واعتماد منهج البحث ( أو مناهج البحث ) وتطبيقه في الدراسة: مقوم
جوهري وحيوي في كتابة البحث, حيث يسير الباحث ويتنقل بطريقة علمية منهجية, في
ترتيب وتحليل وتركيب وتفسير الأفكار والحقائق, حتى يصل إلى النتائج العلمية لبحثه
بطريقة مضمونة.
يؤدي تطبيق المنهج بدقة وصرامة إلى إضفاء الدقة والوضوح والعلمية
والموضوعية على عملية الصياغة والتحرير, ويوفر ضمانات السير المتناسق والمنظم
لها.
ب ـ الأسلوب العلمي والمنهجي الجيد:
الأسلوب في البحث العلمي يتضمن العديد من العناصر والخصائص حتى يكون أسلوبا
علميا مفيدا ودالا, مثل:
- سلامة اللغة, وفنيتها وسلامتها ووضوحها.
- الإيجاز والتركيز الدال والمفيد.
- عدم التكرار.
- القدرة على تنظيم المعلومات والأفكار, وعرضها بطريقة منطقية.
- الدقة والوضوح والتحديد والبعد عن الغموض والإطناب والعمومية.
- تدعيم الأفكار بأكبر وأقوى الأدلة المناسبة.
- التماسك والتسلسل بين أجزاء وفروع وعناصر الموضوع.
- قوة وجودة الربط في عملية الانتقال من كلمة إلى أخرى ومن فقرة إلى أخرى.
هذه بعض عناصر وخصائص الأسلوب العلمي الجيد اللازم لصياغة البحوث العلمية
وكتابتها.
ج ـ احترام قانون الاقتباس وقانون الإسناد والتوثيق: توجد مجموعة من
الضوابط والقواعد المنهجية, يجب على الباحث العلمي احترامها والتقيد بها عند
القيام بعملية الاقتباس:
- الدقة والفطنة في فهم القواعد والأحكام والفرضيات العلمية وآراء الغير
المراد اقتباسها.
- عدم التسليم والاعتقاد بأن الأحكام والآراء التي يراد اقتباسها هي حجج
ومسلمات مطلقة ونهائية, بل يجب اعتبارها دائما أنها مجرد فرضيات قابلة للتحليل
والمناقشة والنقد.
- الدقة والجدية والموضوعية في اختيار ما يقتبس منه, وما يقتبس, يجب اختيار
العينات الجديرة بالاقتباس في البحوث العلمية.
- تجنب الأخطاء والهفوات في عملية النقل والاقتباس.
- حسن الانسجام والتوافق بين المقتبس وبين ما يتصل به, وتحاشي التنافر
والتعارض وعدم الانسجام بين العينات المقتبسة وسياق الموضوع,
- عدم المبالغة والتطويل في الاقتباس, والحد الأقصى المتفق هو ألا يتجاوز
الاقتباس الحرفي المباشر على ستة أسطر.
- عدم ذوبان شخصية الباحث العلمية بين ثنايا الاقتباسات, بل لابد من تأكيد وجود شخصية الباحث أثناء عملية الاقتباس, عن طريق دقة وحسن الاقتباس, والتقديم والتعليق والنقد والتقييم للعينات المقتبسة.
د ـ الأمانة العلمية:
تتجلى الأمانة العلمية لدى الباحث في عدم نسبة أفكار الغير وآرائهم إلى
نفسه, وفي الاقتباس الجيد والإسناد لكل رأي أو فكرة أو معلومة إلى صاحبها الأصلي,
وبيان مكان وجودها بدقة وعناية في المصادر والمراجع المعتمدة.
وعلى الباحث التقيد بأخلاقيات وقواعد الأمانة العلمية:
- الدقة الكاملة والعناية في فهم أفكار الآخرين ونقلها.
- الرجوع والاعتماد الدائم على الوثائق الأصلية.
- الاحترام الكامل والالتزام التام بقواعد الإسناد والاقتباس وتوثيق
الهوامش السالفة الذكر.
- الاعتداد بالشخصية واحترام الذات والمكانة العلمية من طرف الباحث.
- وكلما تقيد بقواعد الأمانة العلمية, كلما ازدادت شخصيته العلمية قوة
وأصالة.
هـ ـ ظهور شخصية الباحث:
ويتجلى ذلك من خلال إبراز آرائه الخاصة وأحكامه الشخصية على الوقائع
والأحداث, وعدم الاعتماد الكلي على آراء غيره من الباحثين, ونقلها دون تمحيص أو
دراسة, كما تتضح لنا من خلال تعليقاته, وتحليلاته الأصيلة, مما يضفي على عمله نوعا
من التميز والخصوصية والأصالة.
و ـ التجديد والابتكار في موضوع البحث:
إن المطلوب دائما من البحوث العلمية أن تنتج وتقدم الجديد, في النتائج
والحقائق العلمية, المبينة على أدلة وأسس علمية حقيقية, وذلك في صورة فرضيات
ونظريات وقوانين علمية.
وتتحقق عملية التجديد والابتكار في البحث العلمي عن طريق العوامل التالية:
- اكتشاف معلومات وحقائق جديدة, متعلقة بموضوع البحث, لم تكن موجودة من
قبل, وتحليلها وتركيبها وتفسيرها, وإعلامها في صورة فرضية علمية, أو في صورة نظرية
علمية أو قانون علمي.
- اكتشاف معلومات وأسباب وحقائق جديدة إضافية عن الموضوع محل الدراسة
والبحث, تضاف إلى المعلومات والحقائق القديمة المتعلقة بذات الموضوع.
- اكتشاف أدلة وفرضيات علمية جديدة, بالإضافة على الفرضيات القديمة.
- إعادة وترتيب وتنظيم وصياغة الموضوع محل الدراسة والبحث, ترتيبا وصياغة
جديدة وحديثة, بصورة تعطي للموضوع قوة وتوضيحا وعصرنة أكثر مما كان عليه من قبل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق