تمثل فرقة الامامية الاثني عشرية
الغالبية الساحقة من الشيعة ( واليهم يصرف الذهن عادة عند اطلاق الشيعة ، والذي
يميزهم ويجمعهم القول : بوجوب الامامة ووجودها في كل زمان ـ اولاً ـ
...... والنص والتعيين ـ ثانياً ـ ..... وعصمة الأئمة ـ ثالثاً ـ )[i]) ، فهم يرون ان الامامة ركن من اركان
الدين ومنهم من يعدها اصلاً من اصول الدين ( فالامامة ليست من
المصالح العامة التي تفوض الى نظر الامة ويتعين القائم بتعيينهم ،
بل هي ركن الدين وقاعدة الاسلام ولايجوز لنبي اغفالها ولا تفويضها الى الامة
، بل يجب عليه تعيين الامام لهم )([ii])
ويذكر المظفر ( ان الامامة
اصل من اصول الدين لايتم الايمان الا بالاعتقاد بها ، ولايجوز فيها
تقليد الآباء والاهل والمربين مهما عظموا وكبروا ، بل يجب النظر فيها كما يجب
النظر في التوحيد والنبوة )([iii])
والى ذلك ذهب كثير من علماء الشيعة([iv])
. الا ان منهم من ذهب الى ( ان الشيعة وان اوجبوا امامة الاثنى عشر
لكن منكر امامتهم ليس بخارج عن الاسلام ، وتجري عليه جميع احكامه )([v])
وهذا الرأي نميل اليه باعتباره جامع لكلمة المسلمين ، والنظر
للمناظر الى انه مسلم مخالف منكر ، وهو افضل في رأيي من النظر اليه على انه خارج
عن الاسلام اذ يترتب على خروجه من الدين ، ما يترتب على الكافر ، فضلا
عن انه يقضي الى تكفير عدد كبير من الفرق الاسلامية تخالف في وجهة
نظرها ما تراه الشيعة في مسألة الامامة ، وكونها تثبت
بالنص والتعيين ، فالاولى انه يخرج عن قواعد هذه الفرقة ولايخرج من الاسلام .
وهذا ما ذهب اليه الشيخ المفيد ايضاً ( من استحقاق اسم التشيع )([vi]).
واذا ابتعدنا عن كون المسالة تتعلق بالايمان
والكفر فأننا لانستطيع الابتعاد عن كون المسألة دينية صرفة ، وهي من المسائل
التوقيفية ( وهي تلك المتعلقة بشؤون الدين والعقيدة والعبادة وهذه ليس لافراد الامة
فيها رأي ولا مشورة ، وما الرسول نفسه بالنسبة الى شؤون الدين الا
مبلغاً وبشيراً وما افراد الامة فيها الا مطيعين ومنفذين )([vii])
اذاً ليست من حق الامة اختيار امامها بل هو منصوص عليه بصورة جلية
او خفية وهي اي الامامة : ( ولاية إلهية ، عامة ، خلافة عن
الرسول ، والمراد عن الهية : انها بتفويض و تنصيص من الله
تبارك وتعالى . ومن عامة : شمول وظائف الامام التشريعية والاجرائية
لشؤون الدين والدنيا اجمع ـ ومن خلافة عن الرسول :
الامامة المنفردة عن النبوة ، التي هي محل بحثنا لا الامامة
المجتمعة مع النبوة ، فأن النبي ّ ـ وهو الموحى اليه لتبليغ رسالة الله
ـ قد يكون ذا وظيفة ارشادية فحسب ، وقد يكون ـ اضافة الى تلك ـ اماماً ذا ولاية
اجرائية )([viii])
اذا الامامة تكون خلافة عن رسول الله حتى يتغير
الامام من النبي . ويعتقد الشريف المرتضى ضرورة وجود الامام
وان يعطي البيعة من قبل المسلمين لانه جاء بنص شرعي ولتلبية حاجة
البشر ( فالناس متى خلوا من الرؤساء ومن يفزعون اليه في تدبيرهم وسياستهم
اضطربت احوالهم وتكدرت عيشتهم ونشأ فيهم فعل القبيح وظهر منهم الظلم والبغي وانهم
متى كان لهم رئيس او رؤساء يرجعون اليهم في امورهم كانوا الى الصلاح اقرب ومن
الفساد ابعد وهذا امر يعم كل قبيل او بلدة وكل زمان وحال)([ix]) ، وقالت كذلك الشيعة الامامية
بأن الرسول نص على علي بن ابي طالب رضي الله عنه وان
هذه الوصية انما جاءت نتيجة تلقي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
الامرمن الله عن طريق الوحي فقد روى المسعودي ان هذه الوصية عند علي
حيث يقول :
( وختمت الوصية بخواتيم من
ذهب لم تصبه نار ودفعت الى امير المؤمنين )([x])
ويعلق الدكتور نايف معروف على ذلك قائلاً : ( ولكن المسعودي الذي جاء
بهذه الرواية ، ولم يخبرنا ـ فيما بعد ـ اين استقرت هذه الوصية ، وكيف ان علياً لم
يبرزها امام الملأ من المسلمين ، وقد انتزعت منه الخلافة ثلاث مرات متتالية . ولعل
صاحب كتاب الوصية قد وقع في تناقض مع نفسه بشأن الوصية ذاتها . فعلى الرغم من ايراده
للنص السماوي بوجوب الامامة لعلي ، فأنه في موضع اخر من كتابه يظهر
علياً وقد كره الامامة وعافها ، لذلك حين سار اليه الناس
بعد مقتل عثمان ليبايعوه ، امتنع عليهم ، فالحوا عليه حتى اكرهوه ، فكيف يمتنع عن
واجب فرضه الله عليه لتأديته ؟ )([xi])
واذا كانت الامامة نص الهي ومن ثوابت العقيدة
فكيف يمكن لانسان ان يغير ما يريد الله ، واذا كانت شأنا من شؤون الامة
فهي اذاً تبقى ضمن اختيارهم ثم ان العلماء قد تتبعوا اخبار علي
والوصية له ، وننقل قول ابن ابي الحديد الشارح لنهج البلاغة حيث يقول من شرحه ( ان
الآثار والاخبار بشأن الوصية لعلي كثيرة جداً ، ومن تأملها وانصف ، علم انه لم يكن
هناك نص صريح مقطوع الشكوك ، ولاتتطرق اليه الاحتمالات كما تزعم الامامية)([xii])
الا ان الامامية وضعوا لكل امام شروط ولكي يكون هذا الامام
بمستوى طموح الناس وان كان منصوصا عليه ، فلابد ان يتمتع بشروط تؤهله لاجراء العقد
السياسي الاجتماعي مع من يسوسهم صفات
الامام ومؤهلاته :
1)
يجب ان يكون عالماً بجميع الاحكام الشرعية
بأعتباره حجة في الدين وحافظاً للشرع ([xiii]).
2)
يتوجب ان يكون الافضل بين الرعية في صفاته ،
لقبح جعل المفضول رئيساً للفاضل ([xiv]).ولكي
تتقبل الرعية لاوتنفر منه )([xv])
وكذلك القول بعصمته .
3)
( ان يكون منزهاً من ارتكاب
الكبائر والصغائر قبل توليه الحكم وبعده )([xvi])
فالمرتضى اذاً ( من المعبرين عن الاتجاه الفكري المعارض لمبدأ الاختيار كطريق
لتولي الحكم في الدولة العربية الاسلامية )([xvii])
.
اما وظائف الامام فتتلخص في الامور
التالية :
1.
تفسير كتاب الله العزيز ، وشرح
مقاصده ، وبيان متشابهاته وتقرير قصصه وحكَمهُ وأخلاقه وعقائدهِ وبراهينه . وبيان
حكم الله في الموضوعات التي كانت تحدث وتستبعد ولم يكن قد نزل فيها
حكم مسبق .
2.
صيانة الدين في عقائده ومفاهيمه ...... وصيانة
المسلمين عن الانحراف في عقائد الدين ....وحفظ الوحدة بين ابناء المجتمع المتعدد
الطوائف ....
3.
ادارة امور الدولة الاسلامية
التي اوجد صلى الله عليه وسلم ، نواتها ، وفي المجالات السياسية والاقتصادية
والامنية في جميع آفاقها وأبعادها )([xviii])
.
وبذلك يتم العقد الاجتماعي بين الامة والامام
، وعلى ذلك اجمع الامامية من الشيعة واعتقدوا ايضاً
انه ( ماكان في الدين والاسلام امراهم من تعيين الامام ،
حتى تكون مفارقته الدنيا ـ اي النبي صلى الله عليه وسلم ـ على فراغ قلب من امر الأمة
، فأنه انما بعث لرفع الخلاف وتقرير الوفاق ، فلايجوز ان يفارق الامة
ويتركهم هملا يرى كل واحد منهم رأياً ويسلك كل واحد منهم طريقاً لايوافقه في ذلك غيره
، بل يجب أن يعين شخصاً هو المرجوع اليه ، وينص على واحد هو الموثوق بهِ والمعّول
عليه ، وقد عين علياً رضي الله عنه في مواضع تعريضاً ، وفي مواضع
تصريحاً)([xix])
الا انهم يجوزون التقية ، فعندما خرج زيد بن علي قال له اخوه محمد بن علي الملقب
بالباقر (على مقتضى مذهبك والدك ليس بامام فانه لم يخرج قط ولاتعرض للخروج )([xx])
، فالامامة اذن روحية وليست مشروطة بتولي الحكم ( فتحلق حول الباقر
كثيرون آمنوا بالتقية وبامامتهم الروحية وبامامة علي زين العابدين والحسين
والحسن وعلي ، وقاطعوا زيداً فعرفوا بالامامية )([xxi])
وبناء على ما تقدم فأن ( الامامة عند الشيعة ـ الامامية ـ قد اصبحت عقيدة
دينية وقدمت صفتها تلك على صفتها السياسية ، بل اطلقوا لقب امير
المؤمنين على من تولى من الائمة شؤون الحكم والسلطان )([xxii])
وقد تطورت نظرية الشيعة الامامية في الامام حين جاءت ( ولاية
الفقيه ) وقد اختلفت الامامية فيها منهم من اقرها ومنهم من
رفضها وفضل الولاية الدينية عن الولاية السياسية
([i]) د. عرفان عبدالحميد ، دراسات في الفرق والعقائد
الاسلامي، دار التربية ، بغداد ،1977 ،
ص33ـ35.
([ii]) ابن خلدون ، المقدمة ، ص 348 .
([iii]) محمد رضا مظفر ، عقائد الامامية ، دار التعارف
للمطبوعات ، لبنان ـ بيروت ، 1424هـ ـ 2003م ، ص 63 .
([iv]) انظر المفيد ، اوائل المقالات ، ص 4 .
([v]) العاملي محسن الامين ، اعيان الشيعة ، بيروت ،
1960 ، 1/69 .
([vi]) المفيد ، اوائل المقالات ، ص 6 .
([vii]) د. محمد جلال شرف ، د. علي عبدالمعطي محمد ،
الفكر السياسي في الاسلام ، دار الجامعات المصرية ، الاسكندرية ـ مصر ، 1978 ، ص
70 .
([viii]) حسن مكي العاملي ، بداية المعرفة ،
دار الكتاب العربي ، مكتبة الصدر للطباعة ونشر الكتب الاسلامية ، ط 2 ، 1424هـ
، ص 241 .
([ix]) الشريف المرتضى ، الشافي في الامامة ، طبعة
حجرية ، ايران ، 1301هـ ـ 1883م ، ص 4 .
([x]) المسعودي ، اثبات وصية للامام علي بن ابي طالب ،
طبعة النجف ، 1374هـ ـ 1955م ، ص 121 ـ 122 .
([xi]) د. نايف معروف ، الخوارج في العصر الاموي ، دار
الطليعة ، بيروت ، ط 5 ، 1425هـ ـ 2004م ، ص 208 .
([xii]) ابن ابي حديد ، شرح لنهج البلاغة ، تحقيق محمد
ابو الفضل ابراهيم ، طبعة البابي ،
القاهرة ، 1385هـ ـ 1965م / 1387هـ ـ 1967 م ، 2/59 .
([xiii]) الشريف المرتضى ، الشافي ، ص 72 .
([xiv]) المصدر السابق نفسهُ ، ص 79 .
([xv]) المصدر السابق نفسهُ ، ص 81 .
([xvi]) الشريف المرتضى ، تنزيه الانبياء ، طبعة النجف ،
1961م ، ص 11 .
([xvii]) د. جهاد تقي صادق ، الفكر السياسي العربي
الاسلامي ، بغداد ، ط 1 ، 1993 ، ص 119 .
([xviii]) حسن مكي العاملي ، بداية المعرفة ، ص 244 .
([xix]) الشهرستاني ، الملل والنحل نشرة ( محمد سيد
كيلاني ) ، 1/162 .
([xx]) نفس المصدر السابق ، 1/156 .
([xxi]) د. علي الشابي ، مباحث في علم الكلام والفلسفة ،
دار بوسلامة للطباعة والنشر والتوزيع ، تونس ، ط 1 ، 1977 ، ص 118 .
([xxii]) د. محمد
عمار ، الخلافة ونشأة الاحزاب الاسلامية ، ص 155 .