Wikipedia

نتائج البحث

الثلاثاء، 7 مارس 2023

مظاهر الغنائية في شعر أحمد رامي" دراسة أسلوبية (ملخص)

 

ولد أحمد رامي في 9 أغسطس عام 1892 ، بحي الناصرية بالسيدة زينب بالقاهرة والنغم ملء أذنيه ؛ فقد ولد في مندرة لا تخلو من عازف أو مغنٍ من أصدقاء والده هواة الموسيقى ، وأخذت الأنغام مسراها إلى مهد الغلام الوليد ، فأخذ ينصت إلى الغناء في مهده تاركاً البكاء ، وبهذا منحته الطبيعة إحدى وسائل الشعر وهي الغناء والطرب . وعندما تجاوز أحمد سنوات الطفولة الأولى ، اصطحبه والده معه في سفره إلى جزيرة طاشيوز ، إحدى جزر بحر إيجه على بعد ست ساعات بالمركب الشراعي بين مدينة قولة مسقط رأس محمد علي ، حيث كان والده يعمل طبيباً بالجيش الألباني هناك ، حينما كانت تلك الجزيرة تابعة للحكم التركي ، ذهب أحمد مع أبيه ، وقضى بها عامين كاملين ؛ ذهب وسنه السابعة ، وعاد وسنه التاسعة ، وتلك هي سنوات التفتح في أخيلة الطفولة ، ومرة أخرى تمنحه الطبيعة وسيلة ثانية من وسائل الشعر وهي الخيال ، وهكذا تفتح خيال الشاعر على غابات اللوز والنقل والفاكهة والبحر والموج والشاطيء . وعاد رامي من هذه الجنة ليلتحق بالمدرسة في القاهرة ، عاد وقد أتقن اللغتين التركية والرومية ، وهما لغتا أهل تلك الجزيرة ، ترك أحمد أبويه هناك وأقام عند بعض أهله في بيت يقع في حضن المقابر بحي الإمام الشافعي ، فاستوحشت نفسه وانطوت على هم وحزن عميقين ، وبهذا تدخلت الطبيعة مرة ثالثة في تكوين شاعرية هذا الشاعر من أجل منحه وسيلة ثالثة من وسائل الشعر وهي التأمل والسكون والحزن ،  وكلها أشياء تعمق رؤية الشاعر. عاد رامي من الجنة إلى اليباب وجو من الصمت قريب من الكآبة ، فتعلم رامي الحزن العميق . دخل أحمد رامي كتّاب الشيخ رزق ، ثم مدرسة السيدة عائشة ، ثم مدرسة المحمدية عام 1903 ، وعندما عاد أبوه من طاشيوز ، عادت الأسرة إلى بيتها القديم بحي الناصرية ، ولكن سرعان ما التحق والده بالجيش ، فسافر إلى السودان وترك أحمد في رعاية جده ، وهو شيخ في السبعين يسكن بحي الحنفي ، فعاودته الوحشة ، وكادت تعصف به لولا أن خفف حدتها نافذة في غرفته كان يطل منها على تخوم مسجد الحنفي ، ليستمع طيلة الليل إلى مجامع المتصوفة يتلون أورادهم ، ويرددون ابتهالاتهم واستغاثاتهم في نغم جميل ، وتتدخل الطبيعة مرة رابعة لمنحة عنصراً رابعاً من عناصر تكوين شاعريته ؛ وهو النغم الصوفي المتمثل في التراتيل والأوراد الروحانية والتي تركت آثارها على شعر رامي فيما بعد .

لعب كتاب "مسامرة الحبيب في الغزل والنسيب" دوراً مهماً في حياة رامي ؛ فقد احتوى هذا الكتاب على مختارات من شعر العشاق المتغزلين ، وفي أثناء دراسته بمدرسة الخديوية الثانوية ، تعلقت نفسه بحب الأدب ، فكتب وهو في هذه السن الصغيرة أول قصيدة في حياته ، كان مطلعها :

              - يا مصرُ أنتِ كنانةُ الرحمنِ     في أرضه من سالفَ الأزمانِ

ومن الطريف أن تكون أول قصيدة يكتبها رامي وطنية ، وكأنه تعلم من عشق وطنه العشق والغزل .

التحق رامي بمدرسة المعلمين ، وتخرج منها عام 1914 ، وكان همه الأول أن يتصل بالشعراء ، كشوقي ، وحافظ ، وعبد الحليم المصري ، وأحمد نسيم ، وغيرهم . فاتصل بهم وأحبهم وأحبوه .

مارس رامي ثلاثة أنواع من الأدب هي : الشعر الوجداني والعاطفي ، والشعر الوطني ، وأدب المسرح ؛ فقد ترجم رامي ما يربو عن خمس عشرة مسرحية لشكسبير وغيره من كتاب المسرح العالميين ، ومن أشهر ترجماته ؛ رائعة كوبيه "في سبيل التاج" ، و"النسر الصغير" لروستان ، ولشكسبير ترجم "هملت" ، و"يوليوس قيصر" ، و"العاصفة" وغيرها . مثلت معظم هذه المسرحيات على مسارح فاطمة رشدي ويوسف وهبي في زمن غرة المسرح .

ترك رامي الترجمة للمسرح العالمي إلى نظم الشعر ، واشتهر رامي كشاعر فصحى ، إلا أنه سرعان ما ترك نظم الشعر بالفصحى واتجه لكتابة الأغاني بالعامية ، وذلك بعد أن التقى بأم كلثوم وتعلق بصوتها ، فقد كان لقاؤه بأم كلثوم نقطة تحول هامة في مسار حياته الشعرية ، إلا أنه لم يترك نظم الشعر بالفصحى نهائياً ، وكان يعود للنظم بالفصحى بين آن وآخر ، وكأنه أراد أن يؤكد على استمرار وجوده شاعراً فصيحاً بين شعراء الفصحى في ذلك الوقت .

من بين من تأثر بهم رامي من الشعراء تأثراً شديداً ، حتى بان ذلك الأثر في بعض جوانب من شعره ، أحمد شوقي ، وحافظ إبراهيم ، وخليل مطران ، وقد أعدهم رامي أساتذته في نظم الشعر .

حاول رامي أن يطرق باب المسرح الشعري مثل أحمد شوقي ، فكتب مسرحيته الوحيدة "غرام الشعراء" إلا أنها كانت قريبة الشبه بالشعر الغنائي الذاتي ، وبعيدة إلى حد كبير عن سمات المسرح الشعري ، ويبدو أن رامي نفسه أدرك ذلك ، وعلم أنه لم يجد نفسه في المسرح الشعري ، وأنه شاعر غنائي ، فتراجع عن ذلك النوع من الفن ، وكف عنه نهائياً وترك ذلك المجال لغيره من الشعراء الذين يملكون مقدرة تأليف الشعر المسرحي أمثال عزيز أباظة .

وضع رامي فن المونولوج في مصر ؛ وهو نوع من النظم يطور فيه الناظم قالبه الموسيقي واللغوي ، ويستخدم فيه الشاعر أكثر من بحر عروضي ، وتتعدد قوافيه ، فلا يكون على قافية واحدة ، ويأتي على شكل مقاطع ، إلا أن كل مقطوعة تنتهي بقفل من وزن وقافية تختلف عن قفل المقطوعة التالية وهكذا حتى ينتهي المونولوج ، وبهذا يأتي المونولوج على شكل بناء درامي متصاعد يبدأ فيه وجدان الشاعر هادئاً ثم يعلو شيئاً فشيئاً حتى يصل ذروته مع نهاية المونولوج ، مما يساعد الملحن على إدخال التنويع في النغم ، واستخدام المقامات والضروب الإيقاعية المتعددة ، وهو شكل من الغناء الفردي تظهر فيه المناجاة. وكلمة مونولوج تعني في اللغة الإغريقية : الأداء الانفرادي ، ويكتب المونولوج بالفصحى والعامية ، فالمونولوج شكل جديد من النظم والغناء معاً سمعه رامي أثناء وجوده بفرنسا فأعجب به ، وعندما عاد تعاون مع محمد القصبجي ، صديقه الملحن ، في إدخاله على الغناء المصري . ومن أشهر مونولوجات رامي والقصبجي والتي تغنت بها أم كلثوم : النوم يداعب عيون حبيبي ، وإن كنت اسامح وانسى الأسية ، وعينيّ فيها الدموع ، ويا اللي جفاك المنام ، وغيرها .

من أهم الأعمال الشعرية التي ترجمها رامي عن الأدب الفارسي رباعيات الخيام ، تلك التي قام بترجمتها أثناء وجوده بباريس ، بعد أن أوفدته دار الكتب إليها لدراسة فن المكتبات هناك ، فلما طلب إليه اختيار لغة من اللغات الشرقية لدراستها ، اختار الفارسية حتى يتقنها ويستطيع بعدها ترجمة الرباعيات نقلاً عن لغتها الأصلية ، لا عن ترجمتها الإنجليزية ، كما فعل من سبقوه إلى ترجمتها . وحين ظهرت رباعيات الخيام في ثوبها الجديد من نسج رامي ، اختلفت الآراء حولها ، بين مستحسن لها ومستهجن ، ولكن ، مهما تباعدت الآراء فيها أو تلاقت ، فإن فيها نفحة من روح الخيام ، وظلاً من فلسفته العميقة في الحياة بغير كذب أو تأويل ، فقد عايش رامي الخيام في رباعياته ، حتى اقتربت روح الشاعرين ، المصري والفارسي ،  فأحس رامي بهذا الامتزاج وكأنه وجد ضالته فيه .

اعتمد البحث في دراسة أشعار رامي على ديوان رامي الذي يحمل أعماله الكاملة بما فيها رباعيات الخيام وأزجاله . وقد تكوّن البحث من فصول ثلاثة هي : الفصل الأول ، وتم فيه دراسة أشعار رامي من ناحية موسيقى الشعر والأوزان العروضية وأنواع القوافي ، وموسيقى الحشو وأنواعها ، والظواهر الصوتية الأخرى التي تتردد داخل النص الشعري . الفصل الثاني ، تم فيه دراسة البنية التركيبية لأشعار رامي من حيث المعجم الشعري الخاص به ، وحقوله الدلالية ، ودلالة ذلك على عالم رامي الشعري ، مع قياس نسبة تنوع المفردات في شعره ، وذلك من خلال انتخاب عينة من أشعاره وإجراء دراسة إحصائية عليها. أما الفصل الثالث فقد تم فيه دراسة الصورة الشعرية الخاصة بالشاعر ، ومكونات تلك الصورة ، ووسيلته في تكوينها من حيث اعتماده على التشخيص والتجسيد والتجريد ، كما تعرض الفصل لدراسة الصورة الشعرية الرمز ، ودلالة ذلك الرمز على عالم الشاعر ، وبيان قيمة الرمز في إظهار عمق الصورة وتأثيرها في المتلقي ، مع بيان نسبة كثافة اللغة المستخدمة في أشعاره من أجل تقييم تلك الأشعار لغوياً ، وكانت وسيلة البحث في ذلك الإحصاء ، أو ما يسمى بالدراسة اللغوية الإحصائية ، والتي تجعل النص الشعري هو موضوع الدراسة وأساسها ، وهي وسيلة نقدية علمية تهدف إلى الكشف عن كنوز النص الأدبي ؛ فإن كان نظم الشعر فناً ، فنقد الشعر لابد أن يكون علماً مستنداً على ضوابط وإجراءات منهجية يستطيع بها الناقد أن يحلل النص وأن يظهر ملامحه الأسلوبية ، وبالتالي ، يوجه المتلقي إلى كيفية تذوقه والإحساس به . ثم اختتم البحث الفصول الثلاثة بخاتمة اشتملت على نتائج البحث التي توصل إليها من خلال دراسته لشعر رامي ، ثم قائمة ثبت المصادر والمراجع المستخدمة في البحث.

وبهذا ، حاول البحث إظهار خصائص شاعر الأغاني أحمد رامي الذي وقع في صعوبة لم يقع فيها شعراء الفصحى ؛ ذلك لأن شاعر الأغاني عندما يؤلف ، لابد أن تكون له عين على البساطة بغير سطحية وابتذال ، والثانية على الموسيقى ، ولذلك كان طريق شاعر الأغاني محفوفاً بمخاطر الانتقاد الدائم من قبل النقاد ، فغالباً ما يُتهم بالابتذال والسطحية . ولكن رامي استطاع تفادي ذلك ، فارتقى بشعره ، سواء في الفصحى أم العامية ، إلى أرقى المعاني والصور والألفاظ ، وهذا ما حاول البحث إثباته من خلال دراسة أشعاره .     

 فاتن سيد أحمد حسين ،"مظاهر الغنائية في شعر أحمد رامي" دراسة أسلوبيةرسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير ،كلية الآداب جامعة عين شمس قسم اللغة العربية وآدابها ،2003


 

ليست هناك تعليقات: