تشير كتب التاريخ إلي أن حواء المصرية، تمتعت
بمركز اجتماعي متميز، ومكانة سامية في محيط الأسرة والمجتمع([i]). فالمرأة المصرية لم تكن مهملة، ولا منبوذة،
ولا محتقرة، كما كان حال المراءة المصرية في الأمم والحضارات القديمة وقتذاك، بل كان الفراعنة
يكبرون المرأة ويعظمونها، لأنها في نظرهم أقوي عامل من عوامل البقاء والتكاثر
والتماسك في الأمة. وخولت الحضارة الفرعونية المرأة مركزا شرعيا، تعترف به الدولة
والأمة، وتنال به حقوقا في الأسرة والمجتمع تشبه حقوق الرجل([ii]).
وكانت المرأة الفرعونية شريكة حياة الرجل في
كل نواحي الحياة: فقد أوضحت النقوش علي الآثار الفرعونية من صور حياة الزوجين،
أنهما كانا متلازمين جنبا إلي جنب، وفي حجم واحد، وإن كانت الملكة قد ظهرت أحيانا
إلي جانب الملك أقل حجما، فليس ذلك أنها المرأة وهو الرجل، وإنما كان ذلك إظهاراً
للملك الفعلي، في حجم يلقي الرعب في القلوب، بما يتفق مع وصفه ممثل الآلهة علي
الأرض، والقائد الأعلى للجيوش، وصاحب الكلمة العليا في البلاد([iii]).
وتدلنا رسوم المقابر، التي خلفها المصريون
القدماء، منذ عام 3500سنة قبل الميلاد، علي سمو الحياة المصرية العائلية، في وقت
كان العالم يحيا في غمار الهمجية، في حين أن المصري القديم كان ينعم بحياة رضية
مستقرة، ومن هذه الصور المعبرة عن صدق الروابط بين الرجل والمرأة، مناظر تصورها
وهي تخرج معه في رحلات للنزهة والصيد، ومناظر للزوجة وهي ترفه عن زوجها، وأخري
وهما يتعبدان معا، وقد ضمت هذه الحياة الوادعة بين ثناياها عاطفة الحنان الأبوي،
والإقبال علي الأولاد وحمايتهم([iv])، وكانت النساء يأكلن ويشربن بين الناس،
ويمارسن الأعمال الصناعية والتجارية بكامل حريتهن، فتخرج المرأة إلي الأسواق تبيع
وتشتري، وتتاجر وتداين شأنها شأن الرجل([v]).
ولم تخضع المرأة المصرية القديمة في كافة
مراحل التاريخ المصري القديم لأي وصاية، أو سلطة أو وكالة مفترضة، سواء من والدها أو زوجها أو ابنها الأكبر، ففي داخل الأسرة
تتساوي المرأة مع الرجل، وتتطابق حقوق الأخت مع أخيها، سواء كانت المرأة متزوجة
أوغير متزوجة، وكان الزواج يتم برضاها([vi]).
وقد عملت النساء في مصر الفرعونية بمختلف
الوظائف: فقد مارسن الطب ولا سيما في مجال علاج النساء والأطفال، كما عملن بمهنة
المولدات، المرضعات، الناحبات، ومديرات الأملاك، واشتغلن بوظيفه السكرتارية وإدارة
القصور الملكية، ومشرفات علي الأجنحة "قهرمانة"([vii]).
وتدلنا الشواهد علي أن المرأة المصرية
القديمة تمتعت بحقوقها السياسية ، ومشاركتها في الحياة السياسة وتولت كثيرا من الوظائف العليا، بما في ذلك
منصب الوزارة: فقد شغلت السيدة "نبت" وظيفة قاضي ومنصب وزير، وهي الحماة
الثانية للملك "بيبي الأول"، كما تدرج عمل النساء من وظيفة كاتب حتي
وظيفة مدير إدارة في خلال الدولة الوسطي، وساهمت في أعمال الزراعة وكافة الأنشطة الأخرى([viii]).
ولم يقتصر دور المرأة المصرية القديمة علي
مكانتها الاجتماعية، بل تجاوزت ذلك إلي مساهمتها في الشئون السياسية، ويشهد علي
ذلك الدور الذي لعبته الملكة "حتشبسوت" والملكة "أسيك نفرورع"
فضلا عن النساء اللاتي تولين الوصاية علي أبنائهن من الملوك، ومن أهمهن أم
"بيبي" خامس ملوك الأسرة السادسة، و"أحمس نفرتاري" التي كانت
وصية علي ابنها "أمنحتب الأول" والملكة "تي" زوجة أمنوفيس
الثالث ووالدة إخناتون([ix]).
ومع هذه المكانة السياسية والاجتماعية التي احتلتها المرأة
الفرعونية، إلا أن هناك من يري:([x]) أنه وإن كان للمرأة حق التاج، إلا أن ذلك
الحق ما كان ليتم لها إلا في حالة فقد الوارث من الذكور، وأن المرأة و لو ارتفعت
علي العرش كانت تشعر بأنها في مقام هو للرجل، وليس لها، فكانت الملكة
"حتشبسوت" التي حكمت مصر- قبل 1550 سنة قبل الميلاد – مجبرة علي لبس
ثياب الرجال مراعاة للرأى العام.
ونخلص مما سبق إلي أن المرأة المصرية في
العصور القديمة كانت تتمتع بحقوقها
السياسية ، وكانت في هذا الجانب أسعد
حالا، وأعلي شأنا من بنات جنسها من الأمم والحضارات القديمة، إذ خصت الحضارة
الفرعونية المرأة بمكانة مرموقة، فخولتها الملك، وحكمتها في الأفراد والجماعات،
ونظمت القوانين، وسيرت الشئون السياسية، وحفظ المجتمع المصري للمرأة الود، ونصب
لها التماثيل المختلفة تعظيما لشأنها، واعترافا لقدرها، ومرجع ذلك كله يكمن في
اعتناق الحضارة المصرية لمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، وقد امتدت هذه المساواة
لتشمل المساواة في المكانة الاجتماعية والسياسية والعقائدية المصرية.
ولئن دامت للمرأة المصرية هذه الحقوق السياسية علي أيام الدول المستقرة بشرائعها، إلا
أنها كانت تضطرب مع اضطراب أحوال الدولة، وتعود بعودة الاستقرار فيها: ففي عهد
الأسرة الخامسة إلي عهد الأسرة العاشرة (2750-2160) قبل الميلاد، خضعت الأسرة
المصرية للنظام الإقطاعي الذي ساد ذلك العصر، وفي ظل هذا النظام كانت المرأة تخضع
لسلطة رب الأسرة، وإن كانت لم تفقد حق التملك في ذلك القرن([xi]).
وحين جاء عهد الدولتين الوسطي والحديثة
(2160-1200 ق.م) عرفت مصر النظام الاشتراكي، الذي كان يقوم علي أساس نظام الأسرة
باعتبارها وحدة اجتماعية، فكسبت المرأة المصرية في عهد هاتين الدولتين حقوقها من
جديد،([xii]) ثم انحطت مكانة المرأة المصرية القديمة
بتأثير المدنية اليونانية، إذ فشت في
الشرق الأوسط يومئذ كراهة الحياة الدنيا بعد سقوط الدولة الرومانية، بما اتسمت فيه
من ترف وفساد وولع بالملذات والشهوات، وشاعت في هذه الفترة عقيدة الزهد والإيمان
بنجاسة الجسد ونجاسة المرأة، وباءت المرأة بلعنة الخطيئة، فكان الابتعاد عنها حسنة
مأثورة، لمن لا تغلبه الضرورة، وهكذا تغيرت شرائع الحضارة المصرية قبل عصر الإسلام([xiii]).
الهوامش
([i]) محمود سلام زناتي: حول تطور نظام الأسرة في مصر،
القاهرة، دار الجامعات المصرية، بدون تاريخ، ص 70.
([v]) محمود السقا: مرجع سبق ذكره هامش 28، ص55، وعادل
بسيوني: تاريخ الشرائع القديمة، القاهرة 1991، صوفي أبوطالب: مرجع سبق ذكره هامش
27، ص 256.
([vii]) محمد محسوب: المركز القانوني للمرأة، رسالة
دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة القاهرة، سنة 2000، ص25.
([viii]) محمود السقا: المركز الاجتماعي والقانوني للمرأة في
مصر الفرعونية، مجلة القانون والاقتصاد للبحوث القانونية والاقتصادية، مارس –
يونيو1975، ص 52.